مراحل تدبير حصة دراسية في التدريس الصريح .

الأستاذ غيث

مراحل تدبير حصة دراسية في التدريس الصريح 

مراحل تدبير حصة دراسية في التدريس الصريح .

يُعد التدريس الصريح من بين أبرز المقاربات البيداغوجية الحديثة التي اعتمدتها المنظومة التعليمية المغربية ضمن مشروع “المدرسة الرائدة”، نظرا لفعاليته في تحسين جودة التعلمات الأساسية.
وتكمن قوته في اعتماده على خطوات منظمة وواضحة، تُمكّن المدرس من قيادة التعلم بشكل متدرج ومدروس، مع مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين.
تُعتبر مراحل تدبير الحصة الدراسية في هذا النموذج محطات مترابطة، تهدف جميعها إلى تحقيق تعلم فعلي ومستدام مبني على الفهم والممارسة.

أولًا: هيكلة الدرس وفق التدريس الصريح

يتكوّن تدبير الحصة الدراسية في نموذج التدريس الصريح من خمس مراحل رئيسية مترابطة، هي:
  1. افتتاح الحصة
  2. النمذجة
  3. الممارسة الموجهة
  4. الممارسة المستقلة
  5. اختتام الحصة والتفكر

1. افتتاح الحصة

  • يُعد الافتتاح محطة تمهيدية أساسية يتم خلالها:
  • إرساء قواعد السلوك المنتظر وتنشيط المتعلمين.
  • التصريح ببرنامج الحصة وأهدافها بشكل واضح.
  • القيام بأنشطة استهلالية أو تذكيرية تُهيئ المتعلمين ذهنيا لموضوع الدرس.
  • لهدف من الافتتاح هو تهيئة الجو الصفّي وتحفيز الانتباه نحو المهمة الجديدة.

2. النمذجة

  • تمثل النمذجة قلب الدرس الصريح، حيث يقوم المعلم بعرض مباشر وواضح للمهارة أو المفهوم الجديد.
  • يشرح الخطوات التي يجب اتباعها لإنجاز المهمة، مع تقديم أمثلة تطبيقية وتقنيات التفكير بصوت مرتفع.
  • في هذه المرحلة، يُقدَّم “النموذج اللغوي أو المفهومي” الذي سيتدرب عليه المتعلمون لاحقًا.
  • وتُختتم النمذجة بخلاصة مرحلية تُوجّه المتعلمين لما هو مطلوب إنجازه.

3. الممارسة الموجهة

وهي مرحلة التدريب المرافق التي يُشرك فيها المدرس المتعلمين في إنجاز مهام شبيهة بالمهمة النمذجية.

تتجلى أهم خصائصها في:
  • طرح أسئلة للتحقق من الفهم.
  • تقديم المساعدة بالتفكير الموجه والتذكير بالقواعد.
  • تصحيح الأخطاء بطريقة آنية.
  • تقديم تغذية راجعة فورية ومشجعة.
  • تُعد هذه المرحلة ضرورية لترسيخ المفاهيم قبل الانتقال إلى الممارسة المستقلة.

4. الممارسة المستقلة

بعد أن يتأكد المدرس من تحكم أغلب المتعلمين في المفهوم الجديد (بنسبة لا تقل عن 80%)، ينتقل إلى مرحلة التطبيق الفردي.
  • يُنجز المتعلمون أنشطة مستقلة تُبرز مدى استيعابهم للمعرفة المستهدفة.
  • يرافق المدرس المتعلمين عبر الملاحظة والتغذية الراجعة.
  • تُوظَّف أنشطة الدعم الموجه للمتعثرين.
  • يمكن اقتراح واجبات منزلية مرتبطة بالمهارة لترسيخ التعلم.
  • الهدف هو بناء استقلالية التعلم وتعزيز الثقة بالنفس.

5. اختتام الحصة والتفكر

يُختم الدرس بمرحلة قصيرة من التفكر والتقويم يتم خلالها:
  • تلخيص ما تم تعلمه بصيغة جماعية.
  • تسجيل نسبة تحقق الأهداف.
  • تحديد التحديات التي واجهت المتعلمين.
  • وضع خطط دعم ومعالجة بناءً على نتائج الحصة.
  • هذه المرحلة تمهد للربط بالحصة المقبلة وتضمن استمرارية التعلم.

ثانيًا: مراحل تدبير حصة في اللغات وفق التعليم الصريح

تختلف طبيعة تدبير الحصة حسب مكونات اللغة (القراءة، الكتابة، التراكيب...)، لكنها تشترك في المبادئ العامة التالية:
  • تحديد المهارة اللغوية المستهدفة بدقة.
  • تقديم نموذج تطبيقي بلغة واضحة ومبسطة.
  • الانتقال من النشاط الجماعي إلى العمل الفردي.
  • توفير الدعم للمتعلمين الذين يواجهون صعوبات في الفهم أو التطبيق.
وقد حددت الأبحاث التربوية مستويات الإسناد داخل هذه الحصص كما يلي:
  1. النمذجة: موجهة لجميع المتعلمين.
  2. الممارسة الموجهة: موجهة للجميع مع تمييز الدعم عند الحاجة.
  3. الممارسة المستقلة: موجهة فقط للمتعلمين الذين أظهروا تحكمًا كافيًا.

ثالثًا: شروط نجاح النمذجة في التدريس الصري

لكي تكون النمذجة فعالة، يجب أن:
  • تُبنى على مهمة محددة وواضحة (تمرين، نشاط، حل مسألة...).
  • تُنجز بخطوات تدريجية قابلة للملاحظة.
  • تُتجنب المعلومات الجانبية غير الضرورية.
  • يُستخدم أثناءها الشرح المصحوب بالتفكير بصوت عالٍ.
  • تُوظف إشارات بصرية ولفظية للحفاظ على انتباه التلاميذ.
  • تُختتم بخلاصة أو قاعدة موجهة.
النمذجة الناجحة تُحوّل التعلم إلى خبرة مرئية يمكن للمتعلمين تكرارها بثقة.

رابعًا: الممارسة الموجهة – قلب التدريس الصريح

تُعتبر هذه المرحلة محور العملية التعليمية، حيث يشتغل المتعلمون تحت إشراف مباشر من المدرس.
  • يُشجعهم على طرح الأسئلة، وإبداء الملاحظات، وتجريب الحلول.
  • المدرس في هذه المرحلة لا يلقّن، بل يرافق ويوجه ويصحح.
من الممارسات الجيدة في هذه المرحلة:
  1. الحفاظ على إيقاع نشط ومتوازن داخل القسم.
  2. طلب إشارات من التلاميذ لتأكيد الفهم (رفع اليد، إيماءة، إشارة ضوئية...).
  3. تصحيح الأخطاء بشكل فوري وهادئ.
  4. إشراك جميع المتعلمين دون استثناء.
  5. تقديم تغذية راجعة مستمرة.
أما الممارسات التي يجب تجنبها:
  1. طرح الأسئلة ثم الإجابة عنها بدل التلاميذ.
  2. تجاهل إجابات المتعلمين أو عدم تصحيحها.
  3. الاكتفاء بعدد محدود من المشاركات.
الممارسة الموجهة هي لحظة تعلم نشطة، لا مكان فيها للمتفرجين.

خامسًا: الممارسة المستقلة – ترسيخ التعلم الذاتي

في هذه المرحلة، يُكلف المتعلم بإنجاز المهمة لوحده، دون تدخل مباشر من المدرس.

تُعدّ هذه الممارسة اختبارًا حقيقيًا لمستوى الفهم والتحكم.

تُميزها الخصائص التالية:
  • استقلالية المتعلم في إنجاز المهام.
  • تنويع الأنشطة بين كتابية وشفوية.
  • تصحيح فوري أو مؤجل حسب نوع المهمة.
  • ملاحظة دقيقة لتحديد من يحتاج إلى دعم إضافي.
ومن الممارسات الجيدة:
  • تخصيص وقت كافٍ لإنجاز المهمة.
  • مرافقة المتعثرين بشكل فردي.
  • تصحيح إنجازات التلاميذ عبر الحوار والتغذية الراجعة.

سادسًا: التقويم في ختام الحصة

  • يُعد التقويم عنصرًا أساسيا في كل مراحل التدريس الصريح، لكنه يتخذ في ختام الحصة بعدًا تشخيصيًا وداعمًا في الآن نفسه.
  • يتحقق المدرس من مدى تحقيق الأهداف، ويُميز بين المتعلمين الذين أتقنوا التعلمات والذين يحتاجون إلى دعم إضافي.
  • التقويم في التدريس الصريح ليس غاية، بل وسيلة لتحسين التعلم وتوجيهه.
إن مراحل تدبير الحصة الدراسية في التدريس الصريح تمثل مسارًا تربويًا متكاملًا يجمع بين الوضوح، التنظيم، المرافقة، والتقويم المستمر.
ومن خلال احترام هذه المراحل الخمس (الافتتاح – النمذجة – الممارسة الموجهة – الممارسة المستقلة – الاختتام)، يتحقق التعلم الفعلي القائم على الفهم والممارسة، لا على الحفظ والتلقين.
ويُسهم هذا النموذج في الارتقاء بجودة التعليم، وتحفيز المتعلمين على المشاركة الفعالة والاستقلالية في التعلم

إرسال تعليق